" فِرَّ من المزكوم "
ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال: "فِرَّ من المجذوم فرارَكَ من الأسد" متفق عليه.
ففي هذا الحديث أَثْبَتَ حُكْمَ العَدْوَى وأَمَرَ بتجنُّبِهَا، وهذا لا يُعارِضُ قولَه صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث: "لا عَدْوى ولا طيرة ولا هامة ولا صَفَر". لأن المقصود هنا نَفْيُ أن تعدِيَ بنفسها؛ وإنما يقع ذلك بإذن الله، يدل على ذلك ما ورد من أنَّ أعرابيًا لَمَّا سمع ذلك قال: يا رسول الله فما بال إبلي تكون في الرَّمْلِ كأنها الظباءُ فيأتي البعيرُ الأجربُ فيدخل بينها فيُجْرِبُهَا؟ قال صلى الله عليه وسلم: "فَمَن أَعْدَى الأولَ؟".
وقال صلى الله عليه وسلم في الطاعون: "إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا كنتم فيها فلا تخرجوا منها" متفق عليه من حديث عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ ولا مُصِحٌّ على مُمْرِضٍ" متفق عليه.
ومُمْرِض معناه مصاب بمرض مُعْدٍ ينتقل إلى الغير فيُمْرِضُهُ كالجَرَبِ وكالطاعون، ولم يقل "لا يوردن مريض على صحيح" لأن المقصود المرضُ المُعْدِي وليس كل مرض، وهذا من أسرار الأسلوب النبوي، ومثلُ الجَرَبِ والطاعونِ: الانفلونزا والزكام، والملاريا والكوليرا، ونحو ذلك من الأمراض المعدية؛ حكمها واحد.
وعليه فنقول: لا يجوز لمن أُصيب بشيءٍ من هذه الأمراض أن يَرِدَ على الأصحاء ويخالِطَهُم؛ لأنه بذلك يتسبب بنقل العدوى إليهم، ولا يجوز له أن يدخل المسجد لصلاة الجماعة ولا لغيرها؛ لأنه بذلك يخالف الحديث الذي نهى فيه المُمْرِضَ من الورود على المُصِحِّ، ولأنه بذلك يتسبب بنقل العدوى إلى المصلِّين، والمفترض أن يكون ذنبه مضاعفًا لنوعية المُصِحِّين الذين نقل إليهم العدوى.
وهنا دليل آخر يعضد هذا الحكم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم "من أكل ثومًا أو بصلاً فلا يقربنَّ مسجدَنَا" وهذا النهي يفيد التحريم، لأنه يؤذي المصلين بتلك الرائحة الخبيثة، ويؤذي الملائكة كذلك، إذ ورد أنهم يتأذون مما يتأذى منه بنو آدم؛ فلأجل هذه المفسدة العارضة وهي الرائحة الخبيثة مُنِعَ من دخول المسجد والورود على المصلِّين؛ فما بالك بالمرض المعدي؟؛ إنها مفسدة ليست عارضة، وسوف تؤذي المصلين إذا انتقل إليهم المرض مدةً طويلةً، وقد تكون القاضية على المُصلِّي المسكين، فمن قياس الأولى أن يُقال لهذا المُمْرِضِ لا تقربنَّ مسجدنا.
قد يعترض أحدٌ مستدلاً بما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "ولقد رأيتُنَا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤْتَى به يُهادَى بين الرجلين حتى يُقامَ في الصف" رواه مسلم
نقول: يُحمل هذا على المرض الذي لا يُعْدِي جمعًا بين الأحاديث.
كتبه
عبد العزيز القارئ
بالمدينة النبوية
في 27/5/1430هـ
|