المرأة والرجل
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءًا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]
هذه الآية هي صدر سورة النساء الكبرى وسورة النساء الصغرى هي سورة الطلاق، وهناك سورة سميت باسمِ أُمِّ نبي وهي سورة مريم، وسورة أخرى سميت بوصف امرأة من الأنصار وهي خولة بنت ثعلبة وهي سورة المُجَادِلَة، وما بين ذلك حديثٌ كثيرٌ في القرآن عن المرأة، تَتَقَاسَمُ هي والرجلُ آياتِ القرآن، فهي أولاً تَتَقَاسَمُ معه المسؤوليةَ؛ فالخطاب بـ يا أيها الناس، وبـ يا أيها الذين آمنوا موجَّهٌ إليهما، وكلُّ خطاب في القرآن فهو مُوَجَّهٌ إليهما معًا؛ لأن مسؤوليتهما واحدة في عبادة الله عز وجل، ولا يختلفان إلا في بعض التفاصيل المتعلقة بخواص كل منهما، وهي ثانيًا تَتَقَاسَمُ مع الرجل الثوابَ قال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) [النساء: 124]
وهنا في صدر سورة النساء الكبرى تتحدث الآية عن الاتحاد بين الرجل والمرأة؛ فكلاهما من أصلٍ واحد، فهو سبحانه خلق النفسَ الواحدةَ التي هي أبانا آدم؛ ثم من ضِلَع منه خلق أُمَّنَا حواء، فكلاهما ينتمي إلى نفسٍ واحدة، وتتحدث الآية عن الاتصالِ بينهما وقوةِ العلاقة التي ينبني عليها استمرارُ الجنس البشري (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَآءًا) وهنا من أدب القرآن حذف ما هو معلوم؛ وتقدير الكلام: خلق منها زوجها، وزَاوَجَ بينهما فلما تغشَّاهَا وحملت منه بَثَّ منهما رجالاً كثيرًا ونساءًا.
وترتَّبَ على ذلك تكوينُ الأُسَرِ ووجودُ الأَرْحَام؛ وما يجب من احترام صِلَةِ الأرحام، ثم تكوينُ الشعوب والقبائل، فاستمرارُ الجنس البشري بل استمرار الحياة كل ذلك متوقف على العلاقة التي شرعها الله عز وجل بين الرجل والمرأة.
وفي تفاصيل هذه العلاقة يتحدث القرآن عن الزوجة ويسميها السَّكَنَ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [الأعراف: ١٨٩] (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم: 21] فعلاقة الزوجية بينهما أهمُّ أهدافِها وثمَارِها هذه السكينةُ التي يَحْظَى بها كلٌّ منهما ويَحْظَى بها الرجلُ على وجه الخصوص، وهي مرتبطةٌ بالمودةِ والرحمةِ التي يُودِعُهَا اللهُ في قلبِ كلٍّ منهما، وبدون ذلك لا تتحقق السكينةُ ولا السَّكَنُ، وتَفْسُدُ الحياةُ، واقتَضَى استمرارُ الحياة بينهما توزيعَ وظائفِ كلٍّ منهما في هذه الحياة، فارتبطت معظمُ وظائفِ المرأةِ بالبيتِ والأسرةِ، وارتبطت وظائفُ الرجلِ بميادين الحياةِ خارجَ البيت، ولا يمنع هذا أن يكون لكلٍّ منهما نصيبٌ من وظائف الآخر لكن لا على سبيل الأصل، بل على سبيل الاستثناء، فالمرأة في القرآن إذا لزم الأمر خرجت من البيت وتحدثت مع الملائكة ومع الأنبياء، إن البيت قاعدةٌ لَهَا وليس سجنًا لها.
ومن أبدع أساليب القرآن في الحديث عن وظائف كلٍّ من المرأة والرجل صَدْرُ سورةِ الليل، فتأمل:
( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) [الليل: ١–٤] والأخيرة هذه هي سر المسألة كلها وسر الحياة، فلولا تنوُّع الوظائف وتعدُّد الأدوار ما استقامت الحياة، ابتداءًا من الظواهر الكونية، الليل والنهار؛ فلكل منهما وظيفة وُصِفَتْ بأبلغ عبارةٍ وأَجْمَلِ تشبيهٍ، (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) ، فغَشَيَانُ الليلِ يُذَكِّرُ السامعَ بالسُّكُون والنَّوْمِ؛ (وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) أي ظَهَرَ وبَانَ، وهذا يُصَوِّرُ الحركةَ والسَّعْيَ والعَمَلَ، (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى) أي: وخَلْقُ الذكر والأنثى، وفي قراءة: (وَالذَّكَرَ وَالأُنْثَى) كلٌّ منهما له وظيفةٌ في الحياة، فالأنثى وظيفتها في الحياة تشبه وظيفةَ الليل، والذكر وظيفته تشبه وظيفةَ النهار، سِرُّ الحياةِ أنَّ الوظائف شَتَّى متنوعةٌ مختلفة، فإذا جاء جهال العلمانية وقالوا: كلا لا نقبل هذا التوزيعَ الربانيَّ لِلْوَظَائِفِ وَنَخْلِطُ بين وظائفِ الرجلِ والمرأةِ، نُخْرِجُ المرأة من بيتها فتُشَارِكُ الرجلَ في وظيفته، لكنهم لا يستطيعون حَبْسَ الرجل في البيت بَدَلاً من المرأةِ؛ لأنه لا يستطيع القيامَ بوظائفها كلِّهَا، هذه الفوضَى يترتَّبُ عليها فسادُ الحياةِ، وهذا هو ما يريده اليهود الذين يحركون دمى العلمانية، يريدون إفساد الحياة وتدمير نظام الأسرة، الذي يترتب عليه تدمير المجتمع كما وصفهم الله (وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [المائدة: 64]
اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وأجرنا من كيد الشياطين.
|