ماذا تريد الشريعة؟
﴿وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُـمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّـهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْـلاً عَظِـيمًا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَـانُ ضَـعِيفًا﴾ [النساء: ٢٧ – ٢٨]
جاءت هاتان الآيتان في سياق أحكام تتعلق بالمرأة وبالنكاح؛ فبينتا الفرق بين مراد الشريعة ومراد عُبَّاد الشهوات، فالشريعة تريد لنا حياةً نقيةً طاهرةً بعيدةً عن المعاصي والآثام والآفات والأمراض، بينما عُبَّاد الشهوات يريدون لنا أن ننحرف عن الطُّهْر والنَّقَاء انحرافًا شديدًا، كانحرافهم هم، فالعجيبُ أنهم في شَـرِّ حالٍ ويحرصـون على أن يكون الناسُ في حالٍ أسـوأ من حالهم إن لم تكن مثلها؛ على حد قوله ﴿رَبَّـنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا﴾ [القصص: ٦٣]
والآية دقيقة في التصوير، ﴿يَتَّبِعُوَن الشَّهَوَاتِ﴾ فهذه الشهوات غرائز موجودةٌ وجبلَّةٌ فُطِرَ عليها البشرُ، فإذا اتَّبَعَها الإنسانُ صار عبدًا لها، فبدلاً من أن يتحكم فيها ويضبطها بالميزان تتحكم فيه وتُفْقِدُهُ توازُنَهُ وتُخَرِّبُ عليه حياتَهُ، وهل تظن أن هذا الذي يجري وراءَ شهواتِهِ لا همَّ له إلا إشباعَهَا سعيدًا بذلك؟ إنه رغمًا عن المتعة الزائفَةِ المؤقتة يعيش في شقاءٍ، لأن نفسه تتمزَّقُ، وإذا طرأت عليه أحيانًا لحظاتُ تفكيرٍ وتأمُّلٍ في حالِ نفسه فإنه يزداد تمزُّقًا، يرى أنه عبدٌ لبطنه وفرجِهِ، يقودانِهِ للهلاك، فإن لم يهلك بالأمراض الجسدية هلك بالأمراض النفسية، لأن الإنسان خُلِقَ لغايةٍ؛ وهذا المسكين انحرف عن غايته ومال ميلاً شديدًا.
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فإِنَّ لَهُ مَعِيْشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: 124] تأمَّلْ المعنى اللغوي لـ ضَنَكَ تعرف ما نريد أن نقوله، فالضَّنْكُ الضيق الشديد وضعف الجسم وهزاله، وضعف العقل واختلاله، والضِّنَاك الزكام لأنه يضيِّقُ على الإنسان نَفَسه، والضُّنَاك الشجر الكبير الملتف حول نفسه، هذه حال عُبَّاد الشهوات وحال من يُعْرِضُ عن الشريعة، بينما الشريعة إنما تريد التخفيفَ عن الإنسان، وراعت ضعفَه أمام غرائزه؛ فحرصت على تهذيبها وليس على خنقها وكبتها، تلمح هذا المعنى في قوله ﴿يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ وفي قوله ﴿وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ فالإنسان أكثر ما يضعف أمامَ الغريزة الجنسية، وفي قراءة ابن عباس ﴿وَخَلَقَ الإِنْسَانَ ضَعِيفًا﴾ أي وخلق اللهُ الإنسانَ ضعيفًا؛ أي لا يصبر عن النساء.
قال سعيد بن المسيب: "لقد أَتَى عليَّ ثمانون سنة وذهبَتْ إحدى عَيْنَيَّ وأنا أَعْشُو بالأخرى وصاحبِي أعمى أصمُّ – يعني ذَكَرَه – وإني أخاف من فتنة النساء" .
وقال عبادة بن الصامت رضي الله عنه "ألا ترونَ أَني لا أقوم إلا رِفْدا – أي إلا أن أُعانَ على القيام – ولا آكل إلا ما لُوِّقَ لِي – يعني لُيِّن وسُخِّن – وقد مات صاحبي منذ زمان – يعني ذكَرَه – وما يسرُّني أني خلوتُ بامرأةٍ لا تحل لي وأنَّ لي ما تطلع عليه الشمس مخافَة أن يأتيني الشيطانُ فيُحرِّكَهُ عليَّ؛ إنه لا سمع له ولا بصر".
وقد راعت الشريعة هذا الضعفَ في الإنسان فهذبت غريزته، ومنحته الفرصةَ للتنفيس عنها بالطريقة الصحيحة؛ ولم تطالبه بخنقها وكبتها كما يفعل الرهبان، شرعت له الاستمتاعَ بالنساء بالزواج، وزادته تخفيفًا فشرعت له التَّسرِّي بالإماء، فماذا يريد بعد ذلك؛ لكن انظر ماذا فعلنا بأنفسنا، أغلقنا على أنفسنا بابَ التَّسرِّي لمختلف الأسباب، وضيَّقْنَا بابَ الزواج، وهجَمَ علينا دهاقنةُ الفساد العالمي بصنوف المغريات المفسدات، ونطمع مع ذلك في السلامة، والله لو كنا في طهارة يوسف الصديق لوجب علينا أن نخاف كما خاف هو على نفسه عليه السلام فقال ﴿وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [يوسف: ٣٣]
والعجيب أن العلمانيين وأذنابَ أمريكا لا همَّ لهم إلا سيادة الشهوات ولا شُغْلَ لهم إلا النساء، وما عندهم قضيةٌ غيرهنَّ، لأنَّ مرادَ هؤلاء أن نميل ميلاً عظيمًا، أي مرادهم إفسادُ المجتمع وتدميرُهُ؛ ويعلمون أن الإنسان ضعيف أمام فتنة المرأة فيستغلُّونَ ذلك؛ وكأنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ من صفحات الغيب عندما حذرنا فقال: "ما تركْـتُ بعدي فتنـةً هي أَضَرُّ على الرِّجالِ من النسـاءِ"()
وهذا ليس المراد منه ذم النساء، ولكنه إشارة إلى قوة هذه الغريزة، وإلى ضعف الإنسان أمام النساء. وقال صلى الله عليه وسلم: "واتقوا النساءَ فإن أولَ فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"().
واليهود اليوم هم دهاقنةُ الفساد العالمي، ويستخدمون المرأةَ في ذلك بشكل رهيب، وهم الذين يحركون دُمَى العلمانية عندنا؛ الذين شدُّوا مآزرهم لنشر الفساد.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأفعال فإنه لا يهدِي لأحسنها إلا أنت؛ وأجرنا من نزغات الشياطين.
|