حماية الأخلاق العامة
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النور: ١٩]
هذه الآية نزلت في سياق قصة الإفك؛ وفيها رَمَى المنافقون وعلى رأسهم عبدُ الله بن أُبَيِّ بنِ سلول أمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها وهي الطاهرة المُطَهَّرَةُ الصِّدِّيقَةُ بنت الصِّدِّيقِ حليلَةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأَحَبُّ نسائه إليه؛ التي قال فيها حسان:
حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُـزَنُّ بريبـةٍ
|
|
وتُصْبِحُ غَرْثَى من لحومِ الغَوَافِلِ
|
ثم أنزل الله فيها أكثر من أربع عشرة آيةً تُبَرِّئُهَا وتُزَكِّيهَا وتتوعَّدُ أهلَ الإفك المنافقين الذين اتهموها، وهم الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
واليوم لهم أشباه وأذناب ما زالوا يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، حتى ابن أبيِّ بن سلول المنافق الذي طعن في عرض أمِّ المؤمنين له خَلْفُ سوءٍ يكرِّرُونَ مقالَتَهُ الخبيثَةَ اليومَ وهم الروافض، ولكن ليست هذه قضيتنا فإن أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق ما عادت بحاجة إلى دفاع أحد عنها بعد نزول خمس عشرة آية في تزكيتها، لقد دافع الله بنفسه عنها، فمن يرميها اليوم يُكَذِّبُ بالقرآن ويبارز الله تعالى.
لكنَّ هذا الفريق الذي يحب أن تشيع الفاحشة موجود في مجتمعنا اليوم، والآية تصور مدى إصرار هؤلاء وتماديهم؛ إنها ليست مجرد نزوةٍ طارئة بل هو إجرام عن سابق تصور وتعمد، بل تحوَّلَ إلى حب، يحبون أن تشيع الفاحشة، إنهم دهاقنة الفساد العالمي؛ اليهودُ؛ وأذنابُهُم عندنا العلمانيون والليبراليون المتأمركون المتخنزرون.
يفعلون ذلك بأساليب مختلفة؛ أولها: اتخاذ المرأة قضيةً يكررونها ولا يَمَلُّونَ من ذلك، بل المشاهَدُ الآن أنهم في الوقت الذي يَشْغَلُوننا فيه باللجاج في قضية المرأة فإنهم ينفِّذُون برامجهم في المجتمع التي هدفُهَا إفسادُهُ بواسطة المرأة، وتدور حولَ إخراج المرأة من بيتها، ومن حجابها ومن حشمتها وعفافها، فالاختلاط والعُرْيُ والإغراءُ هي عناوين ما يفعلون؛ والهدف أوسع من ذلك ﴿أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
ومن أسوأ أساليب شُيُوعِ الفاحشة نَشْرُها بالكلام وترديدِ الأخبار والشائعات، وهذا يقع فيه كثيرٌ من الناس بحسن نية وبسوء نية، وهو من أخبث الأساليب أثرًا، فإنه يترك في النفوس أثرًا مُدَمِّرًا كتلك التي تُحْدِثُهَا المسلسلات التلفزيونية المدمِّرة، فأن تستمع في مجلسٍ إلى ثرثار يردِّدُ أخبارَ الفواحش في المجتمع؛ مثلُهُ أن تجلس أمام التلفزيون لتشاهد مسلسلاً خبيثًا مُدمِّرًا يصوِّرُ الفواحشَ وأهلَ الفواحش، أهمُّ الآثار المُدمِّرة لهذا وذاك: أن النفوس تَسْتَمْرِئُ ذلك مع الإكثار والترداد حتى تألَفَهُ وتتخيَّلَ أن المجتمعَ كلَّه كذلك؛ وهدفُ دهاقنة الفساد أن تجترئَ النفوسُ بعد ذلك على الفواحش ولا تتحرَّجَ منها.
وتصويرُ أنَّ هذا الفسادَ الذي يُحكى على لسان الثرثار، أو بواسطة المسلسلات التلفزيونية، صار هو الطابعَ الغالبَ على المجتمع هدفٌ ماكرٌ يريدُ دهاقنةُ الفساد استدراجَنَا إليه، وإلا فقد يكون المجتمعُ أنظفَ من ذلك، وبريئًا من هذه الصورة المشوَّهَةِ، أو على الأقل ليست هذه الصورة المشوهة هي الغالبة عليه، فعلى المؤمنين أن يكونوا متيقظين لحبائل الشياطين، ولْنَعْلَمْ جميعًا أن حمايةَ الأخلاق العامَّةِ وحمايَةَ المجتمع من الفاحشة هدفٌ "إستراتيجي" للشريعة؛ إذا فرَّط فيه المجتمعُ سقطت أهليتُهُ الشرعيةُ، ولذلك فإن الآيات من سورة النور بعد هذه الآية التي تحذِّرُنا من اتباع دهاقنة الفساد يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [النور: ٢١] إذن هي خُطُوَات، يستدرجوننا خطوةً فخطوةً، مرحلةً فمرحلةً، لِنَصِلَ إلى الهاوية ﴿وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [النور: ٢١] ولكي نحافظ على طهارة المجتمع ونحميه من نجاسات عُبَّاد الشهوات علينا أن نلجأ إلى الله ونتمسَّكَ بشريعته؛ وبدون ذلك لا نسلم أبدًا: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور: ٢١]
اللهم آت نفوسها تقواها، وزكها وأنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
|