دَعْوَتُنَا : لأَهْلِ القبلةِ جميعًا إلى التزامِ منهجِ السلفِ، والائْتِلاَفِ في إطارِ أهلِ السنَّةِ والجماعَةِ، والاجتماعِ على الكلمَةِ "كلمَةِ التوحيدِ" وإصلاحِ المجتمعاتِ على ضوءِ ذلك، وتجديدِ الدينِ، وحياةِ المسلمين؛ حتى ينهضوا من جديدٍ أمةً أفضلَ؛ تأمر بالمعروفِ وتنهَى عن المنكرِ وتؤمنُ باللهِ، وتقومُ بواجِبِ الدعوةِ والجهادِ.
: أخبار و تعليقات

  الثورات العربية اليوم  
 

الثورات العربية اليوم

تابع الجميع بدهشةٍ بالغةٍ تَوَالِيَ أحداثِ "الثورات العربية:

أولاً: الثورة التونسية، ثم الثورة المصرية، ثم الثورة الليبية؛ التي ما تزال محتدمةً حتى كتابة هذه السطور.

إن هذا الحوادث الجِسَام حتى الآن في نظري غير واضحة المعالم والمآلات، لكني أذكر ملحوظات مهمة؛ قد تُجلِّي شيئًا من هذا الغموض الذي يكتنفها:

أولاً: الثورتان التونسية والمصرية، أنجزتا هدفًا عظيمًا؛ هو التخلص من حاكمين مُسْتَبِدَّيْن فاسدَيْن من حكام العرب؛ وهما: "محمد حسني مبارك" و"ابنَ علي"؛ فالأول عَاثَ فسادًا في مصر، هو وأعوانه، وأخبثُ سياساته الفاسدة تحالفُهُ القذر مع العدو الصهيوني ضد سكان غزة المسلمين المجاهدين ومحاولاتُهُ جَرَّ باقي الدول العربية إلى ذلك..

وقد بالغ في إلحاق الأذى بأهل غزة؛ فضرب حصارًا مَقِيتًا على غزة؛ حتى بنى جدارًا فولاذيًا بينه وبينهم؛ كيف يصنع المسلمُ هذا بأخيه المسلم؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلمُ أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يُسْلِمُهُ.."(1) وأيُّ خذلانٍ أَشَدُّ من هذا الخذلان؟! وقد أَسْلَمَ سكانَ غزة المسلمين إلى العدو الصهيوني ومَكَّنه من رقابهم..

وأما الآخر فكذلك خائن عميل للعدو الصهيوني، ويكفي دليلاً على ذلك قول "نتنياهو" رئيسُ وزراء العدو يومَ سقوط ابن علي: "لقد خسرنا حليفًا سِرِّيًّا"؛ إضافة إلى حربه على الإسلام؛ حتى إن الأذان سُمِعَ في تونس لأول مرة منذ عشرين سنة يومَ سقوطه؛ لأنه كان يمنع الأذان في المآذن بمكبرات الصوت، وألزمَ المؤذنين بأن يؤذنوا داخل المسجد على وَجَلٍ واستحياءٍ، وكان يحارب الحجابَ حربًا شعواء؛ حتى إنَّ شُرَطَهُ كانوا يستوقفون المرأة المحجبة وينزعون حجابها، وربما ساقوها إلى المخفر، وكانت مخابراته تراقب الشبابَ المُصلِّين وتُحصِي عليهم أنفاسَهُم، وتُروَى في ذلك عجائبُ لم تحدث في أشد البلاد قهرًا واستبدادًا، فالحمد لله على سقوطِهِ هو وصاحبُهُ غيرَ مأسوفٍ عليهما..

لكنَّ هذا الأسلوبَ في التغييرِ وإزالةِ الظلم والفساد والاستبداد غيرُ مأمونِ العواقبِ؛ لأنه قد يُؤدِّي إلى فوضَى شاملة تحرق الأخضرَ واليابسَ، وتُسْفَكُ فيها الدماءُ وتُنتهب الأموالُ وتُهتك الأعراضُ أشدَّ مما كان يقع منها تحت حكم الظالم المستبد، ولذلك كره فقهاءُ الشريعة الخروجَ على الحاكم ولو كان فاسدًا ظالمًا زنديقًا، وأمروا الرعية بالصبر، واتباعِ الوسائل الأخرى؛ كنُصْحِهِ وتذكيرِهِ بالله   ﴿فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(2) والقلوبُ بين إصْبَعَيْنِ من أصابع الرحمن يُقلِّبها كيف يشاء؛ فلا يستحيل أن يهتدي أحدٌ مهما بلغ من التجبُّر والظلم والكفر؛ وقد قِيلَ إن "صدام حسين" تاب إلى ربه قبل سقوطه بأربع سنين على يد عالمٍ من علماء العراق وَعَظَهُ ونصَحَهُ وذكَّرَهُ بالله؛ فعاقبه "الأمريكان" على توبته بإعدامِهِ؛ فرُزق الشهادةَ التي تُكفِّر ما قبلها. ولأجل هذا المعنى جعلت الشريعةُ أفضلَ الجهادِ كلمةَ حقٍّ عند سلطان جائرٍ(3).

ومع الصبر اللجوءُ إلى الله والشكوى إليه، والتزامُ التقوى فإنها سلاح المؤمن، والاعتصامُ بالإيمان فإنه نعم الملجأ، والأسلوبُ الأساسُ للتغيير نَشرُ الوعي الإسلامي بين الناس، والصبرُ على ذلك والمصابرة عليه.

قال تعالى:  ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَونُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ(4).

أما أسلوب الثورات والانتفاضات فإنه قد يؤدي إلى بعض النتائج المرجوة كما حصل للثورة التونسية، وحصل للثورة المصرية؛ وقد يؤدي إلى أوخم العواقب كما حصل وما زال حاصلاً للثورة الليبية؛ نسأل اللهَ العظيمَ ربَّ العرش الكريم أن ينصر إخواننا الليبيين على هذا الطاغية الزنديق المغرور "معمر القذافي"، وأن يحميهم من شرور القردة والخنازير من جحافل الغربيين.

ثانيًا: الثورة التونسية ومثلها الثورة المصرية ليستا ثورتين إسلاميتين؛ لأنهما لم ترفعا شعارَ الإسلام، بل كان واضحًا أنهم يتحاشون ذلك؛ لأنه كان أهل الثورة من كل الألوان والملل والاتجاهات؛ ففي الثورة المصرية كل من هب ودب؛ العلمانيون والليبراليون واليساريون والشيوعيون، والأقباط، ومن لا لون له من العامة والدهماء، وفيها الإسلاميون؛ فقد كنا نرى على الشاشات بعضَ قادة الإخوان المسلمين كالدكتور محمد البلتاجي، ونرى علماء آخرين كالدكتور محمد سليم العوا، والشيخ صفوت حجازي، وغيرَهم حاضرين في الميدان..

ورأينا عددًا من علماء الأزهر بزيهم الأزهري المعروف، وكان بعضهم يؤم الجماهير في الصلاة في ساحة التحرير، ولما أَمَّهم القارئ الشيخ محمد جبريل وقَنَتَ في الصلاة بتلك الأدعية النبوية التي لو تُليت ضدَّ جبل لنُسِفَ نَسْفًا، والملايين من ورائه تُؤَمِّنُ على دعائه، قلْتُ وقتها وأنا أسمعه: هُزِمَ وربِّ الكعبةِ "حسني مبارك" لن يُمْسِيَ بعد كل هذا الدعاء؛ فمن عادات الكريم سبحانه أنه لا يرد عبدًا دعاه ولا متضرعًا ناجاه، فكيف وثلاثة ملايين يجأرون بالتأمين على دعاء ذلك القارئ الفصيح؛ وكان؛ ففي مساء ذلك اليوم رحَلَ الرئيس مدحورًا مخلوعًا.

لماذا تجنبوا رَفْعَ شعار الإسلام؟

ربما لأن المرحلة لم تكن تسمح بذلك، والمقصودُ تجميع الناس حول هدفٍ واحدٍ مشتركٍ هو إسقاط نظام الحكم المستبد الذي أذاق الجميعَ كأسَ الهوان، فكل من يوافق على هذا الهدف جرى استقطابه مهما كانت ملته أو وجهته، وقد نجحوا في ذلك نجاحًا كبيرًا..

ولكن هل كان يجوز للإسلاميين هذا التنازل الفادح؟

أقول: نعم؛ لضرورة المرحلة، ولتحقيق ذلك الهدف المُحدَّد؛ وهو إزالةُ الظلم والاستبداد، وخلعُ الرئيس الظالم الفاسد؛ ولهذا أصلٌ في الشريعة:

فقد قال النبي : "لقد شهدْتُ في دار عبد الله بن جُدْعَان حِلْفًا لو دُعِيتُ إلى مثله اليومَ لأَجَبْتُ"(5) وكان الحلفُ الذي أُبرم في داره بين المشركين على إزالة الظلم ونصرة المظلوم؛ وهنا تحالَفَ كل هؤلاء الذين اجتمعوا في ميدان التحرير على إزالة النظام الفاسد الظالم المستبد، ونجحوا في ذلك.

ثالثًا: ومع ذلك فقد ظهر الإسلام في أَبْهَى صوره في صفوف الصلاة في الميدان؛ وفي النساء المُحجَّبات العاملات مع الثوار.

قد يقول قائل: كيف ساغ لهنَّ الاختلاط بالرجال؟

نقول: الأصل ألا يفعلن ذلك؛ بل ألا يخرجن من بيوتهن؛ أما وقد خَرَجْن فهذا الاختلاط لا مَفَرَّ منه؛ فإن أُمِنَ وقوعُ المفسدة جاز؛ وهذا من أحكام الاضطرار لا من أحكام الاختيار، كاختلاط النساء بالرجال في مناسك الحج؛ خاصةً في الطواف، فإنه واقع منذ فجر الإسلام ولم يحاول أحدٌ مَنْعَهُ ولم يُفْتِ فقيهٌ بتحريمه؛ خاصة أن المفسدة هنا أيضًا منتفيةٌ في الغالب..

وسمعتُ بعضَ من لا يفقه يقول معلِّقًا على الحشود في ميدان التحرير: إنهم غوغاء؛ وحكمُ الغوغاء لا يجوز شرعًا. فقلتُ له: ألا تستحي من أن تصفَ جموعَ المصلِّين بالغوغاء؛ ثم ألم تكن لك عين فتبصرَ مئاتِ القضاة والمحامين، وأساتذةَ الجامعات؛ وعلماءَ الأزهر، هل يُوصَف مثل هؤلاء بأنهم غوغاء، إنهم "أهل الحل والعقد".

وهذا من دروس هذه الثورة المصرية؛ أنه احتشد فيها الناس من سائر طبقاتهم بشكل لم يسبق له نظير.

حقًا إن مصر لا تزال تعطينا دروسًا عظيمة..

إنها أستاذة العالم العربي.

رابعًا: هذه القدرة العجيبة على الاحْتِشَاد والتَّحْشِيد؛ كيف أمكن لهم تحشيد الملايين في وقت واحد، ومَنْ هؤلاء الذين يؤثرون فيهم هذا التأثير بحيث تستجيب لهم الجماهير؟

وما هي العوامل التي ساعدت على ذلك؟

لأن هذه الكثرة الكاثرة شكَّلَتْ قوةً هائلةً تَغَلَّبَتْ على قوى الدولة التي وقفت في وجهها، مع أنها كانت غير مسلَّحة؛ وقوى الشرطة والأمن المركزي كانوا مسلَّحين، واستخدموا السلاح.

وهذا درس بليغ فيما يمكن أن تصنعه القوة العددية؛ يُوجَّه لمن يحرصون على تحديد نَسْلِ المسلمين، بينما الرسول يقول: "إني مُكَاثِرٌ بكم الأممَ"(6).

لكنَّ الكثرةَ الكاثرة تكون مؤثرةً إذا كانت منظَّمةً، وتلك الحشود كانت منظمةً بشكل بديع..

يبدو لي أن ثلاثة عوامل ساعدت على ذلك:

(أولها): الشباب؛ فقد كانوا هم المُنظِّمين الأساسيين لهذه الحشود؛ مع وجود عدد من الشيوخ والعلماء والدعاة وقفوا من خلفهم يدعمونهم بالرأي والمشورة؛ وهذا كان ملموسًا؛ واستعانةُ الشباب بأولئك الشيوخ كان ذكاءًا منهم وخطوة دلت على خبرةٍ وتَعَقُّلٍ يليقان بالكبار لا بالشباب، وكان ذلك منهم عنصرَ قوةٍ باهرةٍ؛ لأنه لما اتَّحدت همةُ الشباب مع خبرةِ الشيوخ صنعت العجائب التي رأيناها.

(ثانيها): "تكنولوجيا" الاتصالات؛ من "انترنت" و"فِيسْبُوك" والهاتفُ الجوال، و"كاميرا" الهاتف الجوال؛ كل هذه الوسائل الفعالة شكلت داعمًا كبيرًا للثورة، وثَبَتَ بفعلِهَا حجمُ التأثيرِ الهائلِ لـ"تكنولوجيا" الاتصالات، وانكشفت القدرات الكبيرةُ المتاحةُ للاستخدام لمن يتقنها، والشباب اليوم في كل مكان يتقن استخدام هذه "التكنولوجيا" بحيث يمكن وصفه بشباب "الكمبيوتر".

(ثالثها): الإعلام الفضائي الذي دخل كلَّ بيت، فقد وَاكَبَ هذا الإعلامُ هذه الثورةَ، ونَقَلَ مُجْرَيَاتِهَا أولاً بأول؛ حتى لو عطس أحد الشباب في ميدان التحرير لشهد العالم ذلك في الشاشات؛ خاصةً شاشة "الجزيرة"؛ فإن هذه القناة كانت حاضرةً مع الحَدَثِ حضورًا منقطع النظير..

ولقد أدرك بعضُ المشايخ ذلك فاستفادوا منه وأفادوا كالشيخ "يوسف القرضاوي" حفظه الله؛ وبعضُ المشايخ خاصةً عندنا ما زالوا يُحرِّمُون التصوير، ولذلك فإن حضورَهم في الساحة معدوم، وتأثيرَهم ضعيف.

خامسًا: هؤلاء الحكام الذين جثموا على صدور العرب طيلة نصف قرن أو أكثر يُمثِّلون _ إلا من شاء الله _ شكلاً من أشكال الاستبداد والفساد لم يسبق له نظير، تَحَالَفَ فيهم الاستبدادُ مع الفساد، ووقعت السلطةُ والثروةُ بأيديهم، وكفى بهاتين الأداتين فعلاً وتأثيرًا.

أهمُّ مسألةٍ في هذا الصدد أن أحدًا من هؤلاء الفاسدين المستبدِّين لم يحكم باسم الإسلام؛ ومن ادَّعَى ذلك فقد تبين كذبُهُ؛ فإن الإسلام لا يُقِرُّ الاستبدادَ ولا الفسادَ، قال الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا"(7).

وفي القرآن الكريم: ﴿.. وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(8)

الإسلام ليس هو "الديموقراطية"؛ لكنَّ "الديموقراطية" هي أقربُ الأنظمة السياسية إلى الإسلام؛ النظامُ السياسي في الإسلام يعتمد على "الشورى"، وهو نظام متميز بمصطلحاته وتفصيلاته، يمكن أن يُسمَّى النظامَ "الشوروي" أو نظام "الخلافة الجمهورية"؛ أو نحو ذلك؛ فالأسماء ليست مهمة..

لكنه لا يقبل الاستبدادَ أو "الدكتاتورية".

فالمهم أن حكام العرب لم يحكموا باسم الإسلام، بل أغلبُهُم حارَبَ الإسلامَ؛ إما بشكلٍ مكشوفٍ، مثل "بورقيبة" و"ابن علي"، وإما بشكلٍ غير مباشر كباقي الحكام..

"العلمانيةُ" أو "الليبراليةُ" أو "الاشتراكيةُ" أو "الماركسيةُ اللينينيةُ" أو غيرُ ذلك من الملل المستورَدَة؛ حكموا باسمها الحكامُ العرب، وقد فشلت كلُّهَا فشلاً ذريعًا، وأَوْدَتْ بالشعوب إلى مَهَاوِي الانحدار.

وهؤلاء الحكام تسعة وتسعون في المائة منهم هم صنيعة الاستعمار؛ صَنَعَهُم على عينه، وأنتجهم في مصانعه، وكلُّ واحدٍ منهم يعرف في نفسه هذه الحقيقةَ؛ "القذافي" مثلاً، كان ضابطًا صغيرًا مغمورًا، ثم قفز فجأة من عالم المجهول إلى كرسي الحكم، ويُقال إنه من أمٍّ وأبٍ يهوديين!!

والذي مَكَّنه من ذلك الأمريكان..

ثم أعادوا تأهيلَه وإنتاجَه بعد ذلك عدة مرات، فهم المسئولون الآن عن إزالته، ولذلك أصدروا حكمهم عليه بأن عليه أن يرحل [ هكذا ] كأنه موظف صغير عندهم؛ ولولا أنه كذلك ما سَوَّغوا لأنفسهم أن يصدروا هذا الأمر؛ فلماذا لم يرحل؟ هذه قصة أخرى يطول شرحها؛ لكن نوجز منها هنا: أنه مطلوب منه أداءُ آخرِ خدمةٍ لأسياده، وهي تدميرُ "ليبيا": تدميرُ أسلحتها وجيشها لصالح تجار الأسلحة، وتدميرُ بُنْيَتِهَا التحتيةِ لصالح شركات البناء والإنشاء؛ وكلهم سيكونون غربيين؛ من الأمريكان أو الأوربيين؛ والإثخانُ في قتل الليبيين حتى يتم إضعافهم وإنهاكهم؛ فانظر مدى خسة هذا القذافي في العمالة للغرب؛ ولذلك لم يكن غريبًا أن يقول في إحدى خطبه الأخيرة، بملْءِ فمه؛ وبكل وضوح ووقاحة:

"أنا دافعٌ ثمنَ بقائي هنا" يشير إلى كرسي الحكم.

وباقي حكام العرب هم مثل القذافي أو أسوأ، فما أعظم جريمة الغرب _ أمريكا وأوربا _ في حق أمتنا؛ وحسبنا الله ونعم الوكيل.

سادسًا: وماذا بعد هذه الثورات؟

إنه الإسلام؛ فالإسلاميون قادمون شاءَ الغربُ أم أَبَى، وهذه الثورات تمهد من غير قصدٍ لإقامة حكم الإسلام؛ بإزالة تلك العوائق "الدكتاتورية" من وكلاء الغرب الذين انتهت صلاحيتهم وظهر إفلاسهم؛ "الليبراليون" و"العلمانيون" يريدونه حكمًا بلا هوية، يسمونه "مدنيًا"؛ أي بلا إسلام؛ بينما الشعوب تريد الإسلام؛ لأنها شعوب مسلمة؛ الإسلام هو تاريخها وهو حاضرها وهو مستقبلها..

وقد اكتشف الغرب ذلك: أنه بعد كل هذه الجهود من مكر الليل والنهار؛ المكر الذي يزيل الجبال؛ ورغم كل المحاولات لتغييب الإسلام وإبعاده عن الساحة ظلَّ هو القوةَ الحاضرةَ دائمًا، وهو القوةُ القادمةُ الزاحفةُ المسيطرةُ؛ لا مفرَّ من ذلك؛ ولذلك أقرَّ الأمريكان بهذه الحقيقة وبدأوا يعدون أنفسهم للتعامل معها..

كيف سيتعاملون معها؟ هل سيعيدون إنتاج تلك النماذج "المَسْخ" من الحكام "الليبراليين" الذي ظهر إفلاسهم؟

هل سيحاولون إيجادَ "إسلامٍ أمريكانيٍّ"؛ أو إسلامٍ معتدلٍ كما يحلو لهم أن يصفوه؛ هل يتأهبون لمحاربة الإسلام الحقيقي في حربٍ "هَرْمَجَدُّونِيَّةٍ"(9)؟

هل هذه الثورات _ إذا كان لهم أصابع في تحريكها _ هي استباقٌ للزَّحفِ الإسلامي القادم؛ ومحاولة يائسة خبيثة لإعاقته وتأخيره؟!

كل هذه الاحتمالات واردة؛ والشيء الوحيد المقطوع به هو أن الإسلام قادم رغم كل الجهود التي بذلها ويبذلها القردة والخنازير لإيقاف زحفه:

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ(10).



(1)    صحيح البخاري: الحديث (2310)، صحيح مسلم: الحديث (2580)

(2)    سورة طه، الآية: (44)

(3)    رواه أصحاب السنن [انظر السلسلة الصحيحة للألباني / رقم: 491].

(4)    سورة الأعراف، الآية: (137)

(5)    انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 1/129، وتهذيب الآثار للطبري ص 17، والسنن الكبرى للبيهقي 6/367.

(6)    سنن أبي داود، الحديث (2050)، سنن ابن ماجه، الحديث (1846).

(7)    سيرة عمر لابن الجوزي /ص 87 [المكتبة التجارية بمصر]

(8)    سورة القصص، الآية: (77 )

(9)    هي الحرب الأخيرة في نظر كهان النصرانية وتُسمَّى (هَرْمَجَدُّون) ويتصورونها بين المسيح عيسى وبين عدوه النبي الكذاب، وتقع عند سهل (هَرْمَجَدُّون) بفلسطين، وثبتت الأحاديث عندنا بأن عيسى عليه السلام ينزل من السماء ويلتقي بالمهدي ويقاتلان معًا؛ ثم يقتل عيسى الدجالَ ببابِ "لُدٍّ" ويكسر الصليب؛ أي ملةَ الصليب، ويقيم العدلَ ويحكم بشريعة خاتم النبيين محمد ؛ مع المهدي ثم يستمر بعده. [راجع التصريح بما تواتر في نزول المسيح / لمحدث الهند أنور شاه الكشميري].

(10)   سورة الأنفال، الآية: (36)


حقوق النشر والطبع © 1429هـ فضيلة الشيخ عبدالعزيز القارئ . جميع الحقوق محفوظه
Copyright © 2008 alqary.net . All rights reserved

33488