فيلم عمر
هذا الفيلم يثبت إمكانية تقديم إعلام إسلامي ناجح، وإنتاج سينمائيٍّ إسلاميٍّ هادفٍ ونظيفٍ.
المعلومات التاريخية صحيحة، ودقيقة؛ ولعل من أسباب ذلك هذا المستوى الرفيعُ من الإشراف والمراجعة، فالإشراف العلمي توافرت له شخصيات معروفة كالدكتور أكرم العمري، والشيخ القرضاوي، وسلمان العودة، والطريري.
والإخراج في قمة الدقة والإتقان، فهذا العمل السينمائي الرائع يُعدّ غرةً في جبين المخرج "حاتم علي".
وقد كنتُ منذ زمن أتمنى أن يكون هناك إنتاج على هذا المستوى، وكنت حدثْتُ "حاتم علي" عندما زارني في بيتي بالمدينة النبوية، وكان برفقة الأخ الفاضل الأستاذ فواز المحرج صاحب مؤسسة "رواسن" للإنتاج الإعلامي؛ عن أمنيتي أن أرى عملاً إسلاميًا سينمائيًا ضخمًا ومتقنًا؛ وضربت له المثال بفيلم "الوصايا العشر" الذي أنتجته اليهودية العالمية في حينه، وقلت له إن المسلمين ينبغي أن يكونوا أقدر من اليهود على تقديم تاريخهم بمثل هذا المستوى، وها هي الخطوة الأولى تتحقق، ويتبنَّاها إخواننا القطريون.
فلهم جزيل الشكر على ذلك؛ إنهم أصحاب الإنجازات الرائعة؛ وهذا من أفضلها ..
الفيلم له تأثيرات تربوية كبيرة، فلأول مرة يتلقى المشاهد تاريخنا بالصوت والصورة؛ والتمثيل الراقي الرفيع؛ الجميعُ صغارًا وكبارًا، رجالاً ونساءًا، يستفسرون عن أحداث الفيلم وشخصياته، بعد أن تابعوه طوال شهر رمضان.
والفيلم يعد قفزة رائعة في مجال الإعلام الإسلامي، الذي ظننا لبرهةٍ من الزمن أنه لن يتجاوز القوالب الجامدة المعروفة التي سَجَنَّا أنفسنا فيها بلا مبرر؛ إلا قول الشاعر:
ولم أرى في عيوب الناس عيبًا كنقص القادرين على التمام
والفيلم يُعد هدفًا قويًا يُسَجَّل في مرمى "الروافض"؛ فنحن نعيش الآن فترة احتدام الصراع مع الهجمة الإيرانية المجوسية الرافضية؛ وهو صراع شامل في جميع الميادين، وميدان الإعلام أخطرها وأسرعها أثرًا، والروافض يبغضون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشد ما يبغضون الصاحبين أبا بكر وعمر، ولا تفسير لهذا البغض السخيف إلا أنهما اللذان هَدَمَا مُلْكَ المجوسية الكسروية، مما يدلك على أنها ليست مسألة تَشَيُّعٍ؛ إنما هي مجوسية فارسية.
ومن اعترض على هذا الفيلم أظنه غفل عن هذه الناحية المهمة. بقيت مسألة أساسية: وهي الفتوى الشرعية بمنع تمثيل الصحابة أو الأنبياء؛ وأذكر أني سألتُ سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: هل هناك دليل أو نص يحرم تمثيل الصحابة والأنبياء؟ فأجابني بأنه لا يوجد نص يمنع من ذلك، إلا أننا أردنا بهذه الفتوى حماية هذا الجناب الرفيع من الامتهان والتشويه؛ لأنهم قد لا يتقنون العمل فيُشوِّهون هذه الشخصيات ويسيئون إليها. وهذا الجواب الذي سمعته من سماحته وأرويه عنه يدل على أن المسألة اجتهادية؛ فإذا انتفى هذا المانع فلا وجه للمنع.
حتى النبي صلى الله عليه وسلم، تمثيله على نفس القياس، وإن كان شأن مقام المعصوم أعظم، فيجب الاحتياط في مسألته أكثر، وأظن أنه يمكن تمثيل شخصيته صلى الله عليه وسلم دون إظهار تفاصيل وجهه الشريف وهذا يعود إلى فن الإخراج، ويعرفه حاتم علي أحسن مني.
وكل هذا الكلام مني عن فيلم عمر، وكل هذا الإعجاب لا يمنع من إبداء بعض التنبيهات؛ ولكني أقول كما كنا نقول عند مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه: وكل هذه الملحوظات لا تنقص من القيمة الإجمالية للعمل ..
ولست بصدد سرد هذه التنبيهات؛ لكنني أذكر واحدة منها من باب الظرف والتندر:
عند دخول الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء، ظهروا في الفيلم يُلَبُّون، ولكن ليس على طريقتهم وهم عرب فصحاء، إنما على طريقة مُطَوِّفِي مكة المعاصرين؛ من الأعاجم والمستعجمين:
إن الحمدا، والنعمتا، لك والملك
هكذا بالوقف على الحمد والنعمة بالحركة، وفي لغة العرب لا يجوز ذلك. قال الجزري في مقدمته:
وحاذر الوقف بكل الحركه
فالصواب أن يصل الجميع ويقف على (الملك).
عـبـد العـزيـز القارئ
في 3 / 10 / 1433 هـ
|